الكنيسة ونظريات التطور

ماذا يقول الكتاب المقدس عن الخلق:

 

          نقرأ في سفر التكوين الفصل الأول الآية السادسة العشرون: ” وقال الله لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا…………..فخلق الله الأنسان على صورته على صورة الله خلقه…

          هناك رواية اخرى للخلق وهي مكملة للأولى:” الفصل الثاني، الآية السادسة، وجبل الرب الأله الإنسان تراباً من الأرض ونَفَخَ في أنفه نَسَمَة حياة، فصار الإنسان نفساً حية”.

          نحن امام روايتين، احداهما اقدم من الأخرى. الرواية الثانية هي الأقدم. عندما توضح لنا الوراية ان الله نفخ نَسَمَةَ هذا يعني انه ميزه عن الحيوان، الأنسان يمتاز ان فيه شيئٌ من الله. عندما يتكلم عن السماء والأرض فإنه يريد ان يشمل كل الكون. الله هو الذي يخلق، هو الذي يأمر، هو الذي يعلق على الخليقة عندما يقول :” ورأى ان ذلمك حسن”. نلاحظ من هذه الرواية تناقض لنظرية التواجد القبلي، لأن الخلق تم من العدم. سمو كرامة الأنسان، فالله خلق الأنسان على صورته ومثاله وجعلهم مساعدين له بالخلق :” انمو واكثروا واملأوا الأرض” وطلب منهم المعاونة للسيطرة على الطبيعة. يتم في هذه الرواية مباركة الزواج ‎والتركيز على الوحدة:” فيصران الأثنان جسداً واحداً ” اما عن اباء الكنيسة فإنهم يركزون على الحقائق التالية:

– الله هو خالق كل شيء

– الله خلق كل شيء من العدم.

– الله وحده هو الذي يستطيع ان يخلق.

– يخلق الله بطريقة حرة.

– يخلق الله مدفوعاً بمحبته العظيمة واللامتناهية.

– العالم ليس ابدياً.

– العالم له بداية.

– الله ليس خالق الشر.

– الأنسان هو المخلوق الأساسي.

– خُلق الأنسان مباشرة من الله دون أي وسيط.

– كل البشر لهم جدين مشتركين (ادم وحواء)

– خُلق ابوينا بحالة من النعمة.

 

الملاحظة الأولى التي يمكن ان نستبنطها، هو ان الله خلق الأنسان بطريقة مباشرة، ويظهر لنا السفر طريقة الخلق فقط للإنسان وانما لباقي المخلوقات وباقي الأشياء لم تُذكَر لنا الطريقة. “ وقال الله : “ليكن نور”، فكان نور. فإذاً نستنتج من الكتاب المقدس ان اصلَ حياة الإنسان هو الله. لا يوجد أي واسطة بين الله وبين الإنسان. ويُبرز كذلك الكتاب المقدس الفصل والفرق بين الإنسان وبين الحيوان : “ فبعد ان خلق الله البهائم وجميع الحيوانات التي تدب على وجه الأرض خلق الأنسان على صورته ومثاله، ولم يتوقف عند هذا الحد بل طلب منه ان يتسلطوا على اسماك البحار وطيور السماء وعلى كل حيوان يدبّ على الأرض. فبعد ان كانت الأرض خاوية وحسب التفسير العبري (tohu-bohu)، أي تعمّ بها الفوضى بدأ الله بترتيب الكون ووصل الى قمتهِ عندما خلق الأنسان. وهذا يساعد الكثير من الأديان والفلفسفات التي طالما عذبها هذا الكون وضاعت في هذا اللغز الكبير (من هو صانع كل هذه الأشياء؟ من هو خالق الكون؟ من هو مدبر الكون؟ من يدير النجوم والأفلاك؟ وقد تطورت الكثير من النظريات التي سنتكلم عنها فيما بعد). هذه كله يناقض مبدأ الأسطورة والذي يقول ان الكون تكون بسبب الحروب التي نشبت بين الكثير من الألهة، اله الماء، اله البحر واله الأرض، الخ………. لم يعد خلق الكون نتيجة للتنافس بين الألهة بل هو عطية من الله وتحضير للوعد الذي سوف يتحقق.

 

          الكنيسة تقول ان التطور هو اكثر من فرضية، على العكس فإن نظرية التطور هي اداة علمية وتفسير للكون الذي نعيشه الآن. وتتكلم الكنيسة عن نظريات متعددة للتطور وليس عن نظرية واحدة. ولا تدين الكنيسة بشكل مسبق كل ما يقوم به العلماء ويقولونه عن اصل الأحياء. والمهم من وجهة نظر مسيحية ان نتعرف بإن الله خالق الكون وهو الذي يعني بالخليقة لغاية الآن. ومن وجهة نظر مسيحية هو الإيمان ان الله هو الخالق وان الإنسان هو المخلوق. مع ان الإنسان هو مخلوق ومحدود وانما هو حر. التطور اليوم يُعتبر رافد مهم للعلوم والكنيسة تشجع البحث العلمي الذي يسير في خط الإيمان. وترفض الكنيسة أي نظرية تشكك بالكتاب المقدس أي انكار الله على انه الخالق وهو الذي يقود الكون ويحفظه. اليوم وبعد استخدام نظريات جديدة لتفسير الكتاب المقدس والتي تستند على الأنواع الأدبية المستخدمة، والرسالة من سفر التكوين واضحة وهي ان الله هو الخالق ويغدوا التطور الوسيلة التي يستخدمها الله للوصول للكائنات الحية. كل الخلائق تعتمد على الله بكل شيء اما عن كيفية هذا الأعتماد فإننا نترك للعلم تحديد ذلك.    

بعض الأفكار الفلسفية المهمة عن اصل الحياة:

– الأكثر لا يمكن ان ينبثق من الأقل.

– الفلاسفة الذي عاشوا قبل السيد المسيح يؤكدوا على ان الأنسان لم ييتطور وانما تحضّر (حضارة) وهنا يتم التركيز على العقل والحرية.

– الأنسان بقى كاملاً منذ الخلق رغم التغيرات التي حدثت من حوله ولم تؤثر على كمال الأنسان.

– لا يوجد هناك قرد تطور واصبح انسان. كان هناك بضربةٍ واحدة قرد، وكان هناك بضربةٍ واحدة انسان. القرد لا يُنتج انسان، ولهذا نقول المادة لا تنتج الحياة، وينتج بالتالي وجود انسان غير مادي أي روحاني.

– هناك شيء خفي وراء سر الخلق، الكمال والجمال وذكاء الإنسان.

– لماذا القردة فقط هي التي تطورت.

هناك عدة نظريات:

– الخلق التلقائي: تقول هذا النظرية ان الحياة هي نتيجة عوامل فيزيائية وكيميائية في لحظات معينة. واعتماداً على هذه النظرية فإنه من الممكن خلق كائنات حية في المستقبل. تثبت هذه النظرية ان الحياة هي نتيجة المادة غير الحية. ان هذه النظرية مرفوضة علمياً لأن الحياة لاتتطور في الأماكن العاقرة ولا نستطيع ان ننتج كائنات حية من كائنات غير حية. ان الرجل والمرأة يشاركان في عملية الخلق والعلاقة الجنسية بينهما تنتج الجسد، الله وحده قادر على اعطاء الروح لهذا الجسد. ولهذا فإن الأنسان اكثر سمواً من الحيوان. الحيوان ينتج حيوان مع نفس حيوانية (غير خالدة)، ولكن نفس الأنسان تأتي من الله. اذا كانت الحياة هي نتيجة الفيزياء والكيمياء فلماذا لا نستطيع ان نخلق الآن انفساً حية. 

          وكما مر معكم من خلال المنهاج ان هذه المعتقدات ارتكزت على ملاحظات عابرة، قدماء المصريين كانوا يلاحظون خروج ضفادع وحيات من طين نهر النيل فاستنتجوا ان هذه الحيوانات نشأت من الطين. ظهور الحياة حسب هذه النظرية هو عبارة خطوة اخرى وجديدة للمادة. 

– نظرية ما قبل الوجود: اعتماداً على هذه النظرية، كانت الحياة موجودة بشكلٍ غير محدد ومحفوظة في المادة ضمن الشروط الضرورية. وحتى هذه النظرية فهي مرفوضة علمياً. يمكن ان نفسر ذلك ان الله وضع البذور في كل الظواهر.

 

– نظرية الخلق: ان نظرية الخلق لا تتناقض ونظرية تطور الحيوانات، أي انع من الممكن انة نعترف بإنه تم تطور معين بالحيوانات مع ان الأمر غير مثبت بعد.

– نظرية داروين: نشوء واختيار الكائنات الأكثر تطوراً، كان هناك انعزال وصراع للحياة، ونتج عن ذلك اختيار اصناف معينة وقابله ابادة لكثير من الأصناف. ويضيف داروين (1859) ان الكائنات تتغير بإستمرار ودون توقف ومن ثم يتم الإنتخاب الطبيعي والذي يعني ابادة العناصر التي لا تستطيع ان تتأقلم ومن ثم تندثر، تنقل الكائنات الحية صفاتها للكائنات الأخرى. وهكذا رويداً رويدأ يتحول عنصر الى أخر.

– عن طريق الصدفة: هل من الممكن ان نعتقد تكون الحياة عن طريق الصدفة؟ يجيب الذريون، قامت الصدفة بتجميع الذرات وعملت منهم الأحياء التي نراها اليوم. ويضيفوا بإن لا توجد أي قدرة تستطيع ان تنظم هذا الكون فقد تكون  عن طريق الصدفة ويتكون عن طريق الصدفة.

 

بعض الأستنتاجات عن الحياة النباتية والحياة الحيوانية:

– النبات والحيوانات تعتبر كائنات حية.

– يوجد بهما روح، أي مبدأ الحيلة.

– ان نفس النبات والحيوان هي غير جسدية وايضاً غير روحية لإنها تعتمد في كا اعمالها على الجسد.

– ان نفس النبات والحيوات لا توجد منفصلة وتختفي عندما يموت الجسد ويتحلل.    

 

الأسطورة والخلق:

 

          لقد اوضحنا سابقاً بوجود عوامل اسطورية في الكتاب المقدس، ويجب ان لا نستغرب فالأسطورة تُعتبر المحاولة الأولى لتفسير الخلق. والدور هنا للكنيسة للتمييز ما بين الأسطورة وما بين ما هو اسطوري وبين ما هو حقيقي. فمثلاً ان تكلم الحية اسطورة، اما عن وجود التجربة التي اودت بحياة ابوينا، فهذه حقيقة. الأسطورة التي يُعزى عليها دائماً هي اسطورة بابل (انوما اليش) وهدفها ابراز اله بابل (ماردوك). اول ما يُعارض الكتاب المقدس في هذه الأسطورة هو تعدد الألهة. وكذلك اصل الألهة التي تُولد من الفوضى، ابسو وتيمات. وتبدأ هناك حرب بين الأله، يهرب الأله انو بطريقة جبانة، ومن ثم يخترق ماردوك تيمات عدوه، ويصنع منه الجلد والأنسان. وحتى يصنع الأنسان يستخدم الصلصال ودماء احدى الألهة. واذا ما قمنا بمقارنة هذه الأسطورة والكتاب المقدس، فإن الكمال سوف ينتصر. الأله الواح سوف ينتصر على تعدد الألهة. الله الخالق لا يُحارب. فقط يتفوه بالكلمة والكل يُطيع. يجدر بنا ان نلاحظ نقطتين متشابهتين:

– استخدام الصلصال

– وجود عنصر الهي في الأنسان.

ان استخدام الصلصال لخلق الأنسان انما يشير الى هشاشة الأنسان، وكذلك الى اعتماد الأنسان بشكلٍ كامل على الله. يصنع الله الأنسان على صورته ومثاله وينفخ فيه من روحه، يريد ان يكلل كل ما صنع بالإنسان.     

 

شارك مع الأصدقاء!

Facebook
WhatsApp
Email
Twitter
Telegram