الروح القدس في حياتنا

كتاب أعمال الرسل يذكر لنا أن بولس الرسول عندما وصل في تجواله إلى أفسس صادف فيها بعض التلاميذ، فسألهم: “هل نالوا الروح القدس عندما آمنوا”، فأجابوه: “لا، بل ما سمعناه بأنه يوجد روح قدس” (أع 19/2). نحن لا نجهل أن الروح القدس موجود، ولكن كم من المسيحيين في أيامنا لا يعرفونه إلا بالاسم ويجهلون عمله في النفوس.

ماذا يحقق الروح القدس في حياتنا ؟

  1. الروح القدس يحقق فينا التبني الإلهي

إن نعمة التبني الإلهي، التي نحصل عليها في العماد، نعمة مجانية، تصدر عن المحبة: “انظروا أي محبة منحنا الآب حتى ندعى ونكون أبناء الله” (1 يو 3/1). الروح القدس هو المحبة بالذات وهو الذي يفيض في قلوبنا محبة الله أي النعمة التي تجعلنا أبناء الله: “محبة الله أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي أعطي لنا” (روما 5/5).

  1. الروح القدس يجعلنا هياكل الروح القدس، ويستقر فينا

“أما تعلمون أنكم هياكل الله وأن روح الله مستقر فيكم” (1كو 3/16)، “أما تعلمون أن أجسادكم هي هيكل الروح القدس الذي فيكم” (1 كو 6/9). ومنذ أن فاضت علينا نعمة العماد، بقي الروح مقيماً مع الآب والابن في نفوسنا. قال يسوع: “إن أحبني أحد … أبي يحبه وإليه نأتي وعنده نجعل مقامنا” (يو 14/23)، فالنعمة تجعل من النفوس هياكل الثالوث الأقدس، فيسكنها ويستقر فيها، الأبرار وحدهم، الحاصلون على النعمة، تعمر قلوبهم محبة فائقة الطبيعة، هي علامة الروح القدس الفارقة: “أما تعلمون أن أجسادكم هي هيكل الروح القدس الذي فيكم والذي نلتموه من الله” (1 كو 6/19).

  1. الروح القدس، روح القداسة فينا

نعمة التبني الإلهي التي حصلنا عليها بالعماد، هي القداسة، وقد جعلتنا أخوة للمسيح يسوع. وكلما تفتحت فينا

هذه النعمة وازدهرت، تقدمت نفوسنا في طريق القداسة. يسوع هو المثال الأعلى للتبني الإلهي، وبالتالي هو المثال

الأعلى للقداسة.

عمل الروح القدس في حياتنا اليومية

  • الروح القدس روح محب ويوجهنا في حياتنا إلى المحبة التي تليق بأبناء الله، ويشركنا في القداسة ويقودنا في طريقها.
  • ينمي في نفوسنا الفضائل الأدبية التي تساعدنا على تذليل الصعاب في طريق القداسة مثل: التواضع، الإنضباطية، ويغمرنا بالفضائل  الفائقة  الطبيعة :  الإيمان  والرجاء  والمحبة إلخ.

سر التثبيت المقدس

سر التثبيت المقدس هو يوم عنصرة المسيحي، فيه ينال الروح القدس، قال لنا الأسقف في سر التثبيت: “اقبلوا وسم موهبة الروح القدس”.

سر العماد سر الولادة الروحية والتبني الإلهي، سر التثبيت سر نمو هذه الحياة الجديدة، المعمودية وضعت بذار الحياة والقداسة، التثبيت ينمي هذه البذار لذلك نحن نصبح أغنياء بالروح القدس وبالتالي علينا أن ننشر الإيمان وأن ندافع عنه بالقول والمثل، وأن نكون جنوداً حقيقيين للمسيح، وأكثر شبهاً بالمسيح:

أ.الكاهن مكرس للمسيح وممسوح بالروح القدس، عليه أن يثمر ثمار الروح، ويحقق ذلك كلما قام بأعماله الروحية والدنيوية حباً للمسيح وبالاتحاد معه مصلوباً لخلاص النفوس. فتتكون حياته كلها ذبيحة مرضية لله.

ب.النبي: يساعدنا سر التثبيت بنوع خاص على التشبيه بالمسيح في رسالته النبوية، أي في إعلان كلمة الله دون خوف. نحن نحمل رسالة المسيح النبوية كلما أظهرنا للعالم وجه المسيح وشهدنا له بحياتنا وأقوالنا وأعمالنا وصلاتنا ومحبتنا وإيماننا وهكذا يصبح سر التثبيت سر النضوج والالتزام.

ج. الملك: إن المسيحي يعيش في العالم، وعليه أن يتغلب على الخطيئة لكي يملك فيه المسيح، كما يجب عليه أن يضحي في سبيل الأخوة. رسالة المسيحي الملوكية تتطلب أن ينعش المسيحي العالم بروح المسيح الذي قبله في العماد والتثبيت. سر التثبيت، بعطايا الروح القدس المتنوعة يساعد المسيحي على حمل الرسالة.

مواهب الروح القدس

بعد المعمودية يبقى الإنسان ضعيفاً ومعرضاً للشر والخطيئة. ولكن النفس التي تنقاد للروح حباً وطوعاً، فإنها تجد في ذاتها كنز المواهب التي أفاضها الروح عليها في سر التثبيت، لكي تجد فيها قوة ونوراً ووضوحاً في الحياة الروحية وهذه المواهب هي:

  1. موهبة الحكمة

موهبة الحكمة موهبة فائقة الطبيعة تساعد المسيحي على تذوق الروحيات وتقديرها حق قدرها، يجود علينا الروح القدس بهذه الموهبة، وهي تدفع بنا إلى التعمق في معرفة الله.

  1. موهبة الفهم

تتيح لنا التعمق في حقائق الإيمان والأسرار، تقابل الأسرار بين بعضها البعض وترى ما يربطها من علاقة بحياتنا الروحية. كثيراً ما يحدث لنا أن نقرأ نصاً من نصوص الكتاب المقدس، دون أن نأبه له، وإذا بنا نعود إلى قراءته يوماً من الأيام فينجلي لنا ما يخفيه من حقائق جليلة تتراءى لنا على نور ساطع ينفذ إلى أعماقنا ويهدينا بشعاعه في الحياة الروحية.

  1. موهبة المشورة

النفس تتساءل مراراً في ظروف كثيرة في حياتها، عن إرادة الرب لكي تصنع ما يريد الرب. الروح القدس بموهبة المشورة ينجي النفس من التهور والطيش والإدعاء وينيرها لكي تحكم على الأشياء حكماً يصدره على نور مبادئ الحكمة الروحية، لا على مبادئ الحكمة البشرية.

  1. موهبة القوة

لا يكفي أن نعرف إرادة الله ونتأكد منها لأن الطبيعة البشرية لوحدها لا تقوى على تحقيقها. بموهبة القوة، الروح القدس يشدد عزائمنا في الأوقات الصعبة، فنؤثر الطاعة لله على الطاعة للناس، ونصبح أقوياء في روحنا بقوة الله.

كثير من النفوس تخشى المحن في الحياة الروحية، وتجهل أن لا بد لمن أراد الاقتراب من الله من أن يقاسي المحن التي تنقل وطأتها عليه كلما تسامى بأفكاره وأعماله.

  1. موهبة العلم

تتيح لنا موهبة العلم أن ننظر إلى الكائنات مثلما يريد الله أن نراها. وهذه الموهبة ترشدنا إلى غايتنا الأخيرة وإلى الطرق الروحية الموصلة إليها.

  1. موهبة التقوى

التقوى تلهمنا السبيل القويم لتحديد موقفنا من الله وتنظم ما يجب أن يربطنا به من علاقة، موقفنا من الله موقف عبادة ومحبة وإيمان ورجاء واستسلام لمشيئته. إنه موقف صداقة ومحبة وإكرام.

  1. موهبة الخوف

الخوف على نوعين: خوف القصاص من الخطيئة، وهو خوف العبيد، ولكنه لا يخلو من الفائدة، وهذا النوع من الخوف يؤدي بالمؤمن إلى اجتناب الخطيئة لأنه يخاف من جهنم. وخوف الخطيئة الذي يؤدي إلى اجتنابها لأنها تهين الله: إنه خوف التقوى، خوف البنين الذين يحبون آباءهم ولا يريدون أن يخرجوا عن إرادتهم حباً وطوعاً.

السيد المسيح لم يعرف خوف العبيد ولا خوف الخطيئة بل عرف الخوف الإحترامي الكامل ذاك الذي يشعر به أجواق الملائكة وهم في حضرة الله. لذلك لا غرابة أن تكون موهبة الخوف ضمن المواهب التي أفاضها الروح القدس في نفس المسيح.

التعبد إلى الروح القدس

  • التوجه إليه في صلاتنا، تلاوة صلاة يومية موجهة إلى الروح القدس.
  • التوجه إليه بشكرنا على جميع نعمه وعطاياه التي ندركها والتي لا ندركها والالتجاء إليه في الشدة والضيق وخصوصاً عند اتخاذ القرارات التي لها علاقة بحياتنا الروحية.
  • “لا تحزنوا الروح القدس” (1 تس 5/19)، علينا أن نحرص لئلا نعرقل عمل الروح الإلهي بما نرتكبه من هفوات وخطايا تدل على طيش وإهمال.
  • الانقياد لإلهاماته. إنه روح محبة ويحترم إرادتنا وحريتنا. فعلينا أن نكون مستعدين للإصغاء إليه. فمن لم يلبِ رغبات الروح القدس عمداً فإنه يقاوم عمله في نفسه، فتبرد في النفس حرارة الإيمان، فالانقياد للروح ضمان ازدهار الإيمان والقداسة.

خاتمة:

من ينقاد إلى الروح القدس يثمر ثمار الروح: “الفرح والسلام والأناة واللطف والصلاح والإيمان والوداعة والعفاف”.

الروح القدس هو مبدأ الحياة الروحية فينا، وعمله فينا وفي الكنيسة عمل مقدس لا يهدف إلا إلى تقديس نفوسنا والوصول بنا إلى السعادة الأبدية.

شارك مع الأصدقاء!

Facebook
WhatsApp
Email
Twitter
Telegram